جريدة الأخبار – الأربعاء 25 يناير  2006
الكتاب المفقود والقواعد الغائبة

المصريون في حيرة ... مرة نتباعد عن رجال الأعمال ومرة نصنع من نراه من رجال، ومرة نزج برجال الأعمال في السجون، ومرة نأتي برجال أعمال في وزارات. والصحافة المصرية والفضائيات كذلك في فترات تتباهي بالمكاسب الإشتراكية للثورة، وفي فترات أخري تهاجم كل ما هو إشتراكي وتشجع كل ما هو إنفتاحي، ومرات تشجع وتساهم في صنع رجال أعمال، ومرات أخري تشهر برجال الأعمال وتجهضهم وتجهز عليهم أحياء وعلي زوجاتهم وأبنائهم، ومرات تدعو للتباعد عن رجال الأعمال، ومرات أخري تدعو لحكمة رجال الأعمال .. ثم تشهر بهم. وأصبح من المعتاد أن نري كل يوم وفي كل بيت حكاية وفي كل لقاء يدور نقاش وقصة حول رجل إما هو محترم ومظلوم أم هو غير ذلك، وفي إعتقادي أن مثل هؤلاء والمجتمع المصري، هم ضحية غياب القواعد والأصول الحاكمة وبما أسميه غياب الكتاب أو (الـ Manual) المحدد لأساليب وأصول العمل والممارسة والحوكمة. حديث المجتمع هذا الأسبوع هو حول مجموعة وزراء من رجال الأعمال الأغنياء – لهم تقديرهم واحترامهم – وجدوا أنفسهم وبدون سابق إنذار في غابة السياسة وفي خضم معاركها وبدلا من الإنشغال ببناء الوطن أنصبت دوائر الحكم والإعلام للدفاع عن مدي تداخل أو عدم تداخل منصبهم في صفقة بيع حصة أحد البنوك. وبالنسبة لي الموضوع واضح ودقيق فمن سبقنا وتقدم من دول تعرضوا لمثل هذه المواقف ووضعوا لها قواعد ونضجت هذه القواعد مع الزمن. فإذا أردنا ألا تدخل مصر في متاهات علينا التعلم ممن سبقنا والإسترشاد بهم وتطبيق ما يناسبنا، وعلي وجه المثال – في هذه الدول – هناك وزراء من القطاع الخاص بل رؤوساء وزارات ورؤساء جمهوريات فماذا يفعلون؟

رجال الأعمال هم أبناء المجتمع المصري والعمود الفقري للإقتصاد. الهجوم عليهم هو إضرار بإقتصاد مصر والسكوت علي الفاسدين والمفسدين منهم هو تدمير للمجتمع المصري ككل. وعلي وجه المثال من يدخل الخدمة العامة في المجتمعات المتقدمة يقوم بتسليم كافة عناصر ثروته الي من يديرها نيابة عنه ودون تدخل مباشرا أو غير مباشر فيما يسمي (Trust) تدار بمن هو متخصص وبعيدا (عادة) عن أطراف ذو علاقة مباشرة وبعيدا عن الشبهات وفي إطار من الشفافية والمسآلة التي تلزم الإنضباط العام وتحت إشراف ممثلي الشعب للرقابة والإنضباط. ويتم ذلك تحديدا للرقابة علي المشتغلين بالعمل العام والسياسة حيث تتعاظم المغريات، وتزهو النفوس. وتتلون وتتغير الموضوعات من ساعة إلي أخري، ويجاهد الشرفاء منهم لخدمة الوطن والعطاء المجرد ويتعرضون – للأسف – للقيل والقال. وأنا أعرف عدد من رجال الأعمال في الحكم وأشهد لهم بالإحترام وأعرف ايضا رجال ليسوا برجال أعمال في مصر وأشهد لهم بالإحترام في الحكومة والقضاء والقوات المسلحة والشرطة ومنهم العمال والفلاحين والبسطاء ومنهم من يعمل بالجمعيات الخيرية وغيرهم ... ولكن علينا ألا نترك الأمور للإجتهاد الشخصي والتفسير لما هو صح وخطأ ولأقاويل الناس والفضائيات سواء المغرض والمشهر منهم أو رجال وأصحاب الحق والأصول.

ومن وجهة نظري أنه لا يوجد كتاب للعمل في مصر، سواء ذلك عمل عام أو عمل خاص أو للمواطن في مصر. لأي عمل يجب أن يكون له كتاب (Manual) محدد لكل مكون من مكونات العمل بل لكل جزئية فيه. لكل مجتمع متقدم تجد قواعده محددة ويضاف ما هو مستجد دوريا عليها. وفي المجتمعات المتخلفة لا يوجد كتب ولا قواعد. وفي المجتماعات النامية هناك دساتير وقوانين ولكن تغيب العديد من الآليات التنفيذية الموثقة والواضحة، ويفسر الإنتهازيون ما هو ليس موجود بالكتب حسب مصالحهم وأهوائهم، فتارة يهاجمون الشرفاء وتارة أخري يهتفون للبعض وتارة يستخدمونها للإثراء المشروع والغير مشروع. وبدلا من إدخال مصر في متاهات أعطوا كل وزير "كتاب العمل"، وانشروا في الإعلام علي المجتمع عند دخوله ما يملك وعند خروجه ما يملك هو وذويه. ولنتبع ما يحدث في غيرنا من الدول الأكثر حوكمة وممارسة في كل مجال جديد ... والشفافية بالمعلومات والشفافية في القواعد وكتاب العمل هم الأساس ... لبناء مصر بكل المصريين ... وللحديث بقية