جريدة الأخبار – الأربعاء 29 مارس  2006
التطوير والمعرفة والتراث

ينشغل المجتمع قليلا بالأعمال الجادة والبناءة والجيدة ، وينشغل كثيرا بغير ذلك . وقد سعدت بقضاء صباح يوم جمعة في الفسطاط زرت خلالها المتحف القبطي بعد تطويره وتجديده ، وجامع عمر بن العاص ومنطقة الفسطاط للحرفيات . وامتلأت بشعور بالفخر والاعزاز بما قامت به مصر قيادة وثقافة وحضارة ومعرفة وفكرا وعملا … أولا أريد أن أحيى الوعى والانسان … وسيكتب للرئيس حسنى مبارك – ولا أرى أنه قد أنصف في ذلك – أن في عصره أعيد الحفاظ على احترام التراث الفكرى والمادى ومعطياته من كلمة وصوت وصورة أو من آثار وتمثال ولوحة ومخطوط ، وثانيا سيسجل لقطاع الثقافة والآثار المعاصر ولرجاله عزيمة وبصيرة لانهاء العمل بالمتحف القبطى بهذا الابداع . وحين وصلت والتقيت – رغم انه يوم أجازة حكومية – بالسادة د. حسين الشابورى استشارى المشروع والذى وضع التصور الكامل للمتحف القبطى الجديد والسيد المهندس عبد الحميد قطب مدير المشروعات بالمجلس الأعلى للآثار والسيد /فيليب فلتس مدير المتحف القبطى … واستمتعت بشرح مفصل من د. حسين الشابورى عن رحلة تنفيذ المشروع والتى شملت أولا : المبنى وهو تحفة معمارية تاريخية هو في حد ذاته ودون معروضات متحف وقد تم توصيل جناحين لمبنيين يمثلا قيمة فنية وتراثية رائعة لفن البناء لما يشمله من عناصر معمارية فريدة وبديعة ويشمل ذلك المشربيات والأسقف الخشبية الزخرفية والأقبية والفساقى . والبناء قيمة تاريخية في حد ذاته وقد بدأ بغرفة صغيرة بالكنيسة المعلقة ثم تطور تدريجيا عبر قرن من الزمان إلي أن وصل إلي ما عليه من جمال مع الحفاظ على قيمته التراثية وثانيا : المعروضـات (للمحتوى) والتى تشمل آثارا وأحجارا وأيقونات وقطع نسيج ومعادن . وقد أسس المتحف القبطى السيد / مرقص سميكة وكان يجوب أرض مصر والكنائس والأديرة القديمة وقصور الباشوات حصرا وبحثا عن التراث القبطى وكان من المشاهد الجميلة تبرع وتلاحم المسلمين والمسيحيين في بناء هذا المتحف وفى حصر التراث نفسه . وافتتح جناحه القديم عام 1910 والجناح الجديد عام 1947 ويرى الزائر لوحات تحمل اسم الملك فؤاد والملك فاروق مع هذين المبنيين . ويحتوى المتحف على عدد من المقتنيات الهامة والتى تعرض وفق أحدث وأجمل الأساليب العصرية والمؤمنة والابداعية أيضا ومن المقتنيات مزامير داود والمخطوطات الفريدة (ولكل منهما قاعة خاصة) وآثار مناطق أهناسيا وأسيوط وسوهاج (دير الأنبا شنودة المسمى بالدير الأبيض) ونجع حمادى وأديرة الأنبا بولا والأنبا انطونياس في البحر الأحمر ويشمل أيضا أجمل قطع نسيج في العالم وأجمل لوحات أثرية بعد معالجتها ومجموعة فريدة من أدوات الحياة والمعيشة عبر العصور … ويتوقف جمال المتحف على طريقة العرض والسيناريو – فبديهى أنه لا يمكن عرض كل شىء – وسيناريو العرض رائع ومتميز ومنطقى . وأريد أن أحيى مع د. حسين فريق العمل المهندسين كريم الشابورى ومحمد النشار وأحمد عبد الجواد ونرمين جمعة من هيئة الآثار كل الفريق مع د. زاهى اللواء / مقلد والمهندس / عبد الحميد قطب والسيد / فيليب فلتس مدير المتحف القبطى . وأهنىء وزير الثقافة فاروق حسنى بالانتهاء من عمل آخر رائع له بعد قصر الأمير طاز في أقل من شهر … كل عمل استغرق سنوات عديده من الفكر والتصميم والحصر المعلوماتى والتنفيذ والتعامل مع بيروقراطية عصر … وبعد ذلك ذهبت لصلاة الجمعة في ساحة جامع عمرو بن العاص وما كان روعتها كصالة للصلاة وبخارجها شاهدت جموع من الأمن المركزى !! وبين الحالة الابداعية للتراث والثقافة والحضارة لهذة الأمة وبين سلام المؤمنين في صلاتهم ومنهم رجال الأمن المصرى وحراس سلامه ، وبين الحالة التى نعيشها لتأمين المجتمع ولتحقيق آمانه والتى تتطلب تواجد قوات الأمن علينا التوقف لهذه المشاهد المتباينة … وكلها تدعوللتأمل والمعرفة لما يجب أن تكون عليه الحياة وتواصلها … تواصل وصراع من أجل حياة ستكون أفضل – باذن الله – بالتطوير والمعرفة والمعلومات والثقافة والتنوير … عصر المعلومات وعصر المعرفة ليس فقط حاسب وتليفون وسلك يربط بينهما …هو تراث وتواصل وتجانس وترابط فكرى ودينى ومعرفى - بخير ما لدينا - لتقدم المجتمع بفكره وعمله ، وبحبه وسماحته … وللحديث بقية