جريدة الأخبار – الأربعاء 18 أكتوبر  2006
نوبل بوابة الامل

لأول مرة فى تاريخ نوبل تعطى الجائزة السنوية الشهيرة الى عمل تنموى ورجل قاد تجربة رائدة للتنمية . وكالعادة من جائزة نوبل فهى تثير بهجه بالتقدير والموضوعية والتواصل لهذة الجائزة العريقة ولأسلوب تقييمها والقائمين عليها وهى أحد الايجابيات الحضارية للمجتمع العالمى . وقد تضاعفت فرحة هذا العام باعطاء الجائزة الى الدكتور/ محمد يونس وبنك جرامين لاسباب عديدة ، أولها فهى للموضوع واهميته لانه يرتبط بنشاط اقراض الفقراء فى دولة فقيرة وذات موارد محدودة ، وثانيها للأمل الذى يغرسوه فى فقراء معدمين عادة لا يثيروا اهتمام عالم اصبح يتصارع ويتنافس بجنون ، وثالثا لتحويل الفقير المعدم الى قادر يعمل ويحس بذاته وانسانيته بدلا من اعتماده على آخرين أو هامشيته ، ورابعا لبناء القدرة الذاتية والرغبه والطموح فى التقدم وهو احدى خصائص البشر بل هو حق انسانى للبشر جميعا ، وخامسا لرحلة الدكتور/محمد يونس من ولادته الى حصوله على الدكتوراه الى حلمه الى مشروعه الى تنفيذة فهو نموذج لالاف من المناضلين التكنوقراطيين الذين لا يقبلون بأن هناك مستحيل حتى فى ما قد يراه البعض احلاما … فهؤلاء هم الذين يصنعون التجارب المضيئه لمجتمعاتهم وللبشرية من خلال نجاحاتهم وتجاربهم بل من خلال نضالهم وحروبهم ، وسادسا فرحه الجائزة هذا العام تعطى وميض أمل فى عالم يزداد قسوة وصراع وقتال ودماء وتدعو العالم لما يجب ان نفعله مقارنه بما ننزلق فيه من تدهور لحروب وأرهاب. وقيمة جائزة هذا العام هى (ما يزيد عن مليون دولار امريكى) وقد اعطيت الجائزة مناصفه لمحمد يونس (66 عاما) وجرامين بنك (الذى أسسه عام 1976) كأول مصرف بالعالم ببنجلاديش يمنح قروضا صغيرة للفقراء وخاصة النساء ليمكنهن من ادارة مشروعات اعمال صغيرة دون ضمان ، مرسيا نظاما جديدا للقروض المتناهية الصغر ، ويخدم البنك نحو اكثر من 6 مليون مقترض فى بنجلاديش وحدها وتم تأسيس مؤسسة جرامين تابعة للبنك عام 1997 وكونت شبكة عالمية شملت ما تجاوز الـ 50 شريكا فى أكثر من 20 دولة قدمت العون لملايين من الفقراء فى اسيا وافريقيا .

وقد عرفت د/محمد يونس شخصيا منذ اكثر من 15 عاما وكان أول لقاء له هنا بالقاهرة حين بدأت مصر تضع اطار وفكرة الصندوق الاجتماعى وجاء الى مصر واعجبت شخصيا بما يقوم به من تجربة فى ذلك الوقت ودعوت الى ان نتبنى هذة التجربة للاقراض المتناهى الصغر وكان آنذاك لمصر تجربة وليده وحيدة تابعة لجمعية رجال الاعمال بالاسكندرية وللأسف كانت لقاءاته مع عدد من المسئولين فى ذلك الوقت محبطه ومؤسفه … وغادر الرجل مصر واستمر فى تجربته وبناؤه وكفاحه واضاف له مشروعات عديدة وأحد هذه المشروعات أنه تضامن مع بنغالى أخر شاب هو السيد/ اقبال قادر (يعمل حاليا فى الـMIT ) وكان له حلم بأن يصل أفقر الفقراء بالعالم من خلال الموبيل!! وقام بعمل مشروع ضخم للتشغيل من خلال انشاء واتاحته موبيل للمعدمين من الفقراء فى قرى بنجلاديش والذى يتم استخدامه كتليفون عمومى لابناء القرية . ويدير هذا العمل وتشغيله امرأه هى سيدة تعول عائلة وسميت الشركة جرامين فون ونجحت بدرجة كبيرة لانها اعطت خدمة مقبولة وبسعر ملائم لدخل الفقراء ولاتاحتها لغرض عمل لمعدمين تحولوا الى منتجين . نموذج جديد فى صناعة الخدمات ولاتاحه ما لا يراه مسئولين فى دول كثيرة عمليا . وفرت التجربة الخدمة الشاملة للاتصالات لجذور المجتمع مثل النقل بالاوتوبيسات والقطارات والبريد بالجودة الملائمة وبالسعر المناسب وباتاحة ابواب الرزق للفقراء المعدمين .

ولعل بعــض القراء يتذكرون مقالة بعنوان "جائزة الفقراء" نشرت بالاخبار فى 4 يوليو 2004 ومقالة بالاخبار ايضا فى 30 مايو 2004 حيث اشرت فيها الى أنى شرفت بترشيح د/محمد يونس ووافق السبعه المحكمين بالاجماع على ترشيحى للدكتور/محمد يونس لأعلى جائزة فى العالم فى ذلك الوقت التى قدمها البنك الدولى وحكومة المانيـا . تذكرت ذلك من رسالة على المحمول وصلتنى من احد اقطاب البنك الدولى تلاه عديد ممن شاركوا فى ترشيحه لهذة الجائزة على المستوى العالمى … وكانت جملة تكررت … " لقد كنا على حق" لابرازه نموذج مشرف … وبالمناسبه والمصادفه والمفارقة لقد اتخذ قرار اختياره لجائزة بترسبرج العالمية وقدرها ربع مليون دولار فى قائمة نوبل فى مكتبة الاسكندرية فى مايو 2004 … ترى كم محمد يونس موجودين فى مصر، وكم منهم بالعالم العربى ، وكم منهم بالعالم النامى … ابراز هؤلاء هو توازن وتقدم للحياة وللانسانية … فليس بالقتل والدمار والتعذيب يتطور العالم … مبروك لكل فقراء العالم ولكل من يسعى لتقدمهم … وللحديث بقية .