جريدة الأخبار – الأربعاء 17 مايو  2006
احمد فراج والخطاب الدينى

توفي إلي رحمة الله علما من أعلام المعرفة والدين والفكر والسماحة والإخلاق. لا يختلف غالبية المصريين من الآجيال المعاصرة – خاصة الذين يعرفونه أو الأكبر سنا – علي أن السيد/ احمد فراج كان رائدا معتدلا ومتوازنا للإعلام الديني المتميز ولنشر الخطاب الديني الإيجابي للمجتمع المصري منذ بدء عمل التليفزيون. لقد كان برنامجه "نور علي نور" منبرا حقيقيا لنشر المعرفة والتعليم والتثقيف الديني للمجتمع المصري ثم للمجتمع العربي. وبات السيد/ احمد فراج وبرنامجه فريدا في عالم اصبح مزدحم بفضائيات وبإعلام وفكر متناقض وببعض تجار الدين بل وبعض المتشددين ، وأصبح العقلاء والمعتدلين غرباء في عصر نعيش فيه فوضي التناقضات ويبرز فيه الأعلي صوتا والأكثر تشددا والأقوي حده .

كان لقائي الأخير بالعالم الكبير أحمد فراج في رحاب مكتبة الإسكندرية وكنا نتشارك في لقاء المفكرين السنوي منذ ثلاثة أشهر وكان حديثنا عن الوطن وعن الخطاب الديني وتحديدا عن "الإصلاح الديني" وضرورة التصدي لما يحدث من إنشقاقات وطنية وأحداث لم تتعود عليها أرضنا الطيبة ووطننا الغالي وأهله المسالمين خاصة بعد أحداث الإسكندرية. وشاركني رحمه الله ضرورة تكوين مجموعة من العقلاء وأصحاب العلم والمعرفة تعضيدا للإصلاح الديني وما يشمله من (1) إصلاح المؤسسة الدينية ، (2) والإعلام الديني ، (3) والخطاب الديني ، (4) بل وإختيار وإنتقاء القيادات الدينية. وكان وعده بأنه سيكون علي أتم الإستعداد للمشاركة في كل جهد جاد يساهم في الخروج من ظلمات التخبط إلي نور الهدي للمجتمع الذي هو نور التنمية والتقدم. وتشاركنا في الرأي أن الخطر من الهذيان والتجارة بإسم الدين والتطرف والإرهاب ستكون وصمة علي مجتمع ينشد التقدم والتنافس والمعرفة بل وستكون كارثة علي الأجيال القادمة وأن ما نراه من مظاهر التطرف والعنف لا يمت إلي صحيح الدين. وأذكر أنني قلت له أنني مع ملايين المصريين تأثرت ببرنامجه الكبير "نور علي نور" وكنت في شبابي – وفي الستينات تحديدا – أنتظره كل يوم جمعة (وكان موعده بعد صلاة الظهر وقبل مباراة كرة القدم الأسبوعية) فكان زيادة لي وللعديد من جيلنا – دون أي مبالغة – في المعرفة الدينية وفي الإعتدال والسماحة بل والإعداد للحياة والمشاركة – دون تحيز – بالإحترام والتقدير للإنسان أيا كان دينه أو هويته أو لغته أو لونه أو فئته. لعلي لا أكون مبالغا في القول أن برنامج "نور علي نور" هو أكثر البرامج تأثيرا إيجابيا في المجتمع المصري منذ إنشاء ودخول التليفزيون للبيت المصري.

توفي العالم الكبير احمد فراج عن عمر يناهز 75 عاما وفقدنا بوفاته علما من أعلام التوازن الفكري والديني للمجتمع المصري. وحجم الخسارة التي حدثت بذلك ليست عن ماضيه الناصع فقط ولكن عن حاضر ومستقبل أمتنا وهي تنشد مرة أخري الواعيين والقادرين من علماء الآجيال – مثله – خاصة في الفكر والإعلام الديني.

فكروا معي كيف نبدأ إصلاح ديني حقيقي في المجتمع المصري والعربي – بل ومع العالم – وفاءا وعرفانا لقضية رأيته متحمسا لها وعاش حياة يكافح من أجلها … رحمه الله وأعطانا مما تركه نور علي نور لخير أمة أخرجت للناس … رحمه الله والفاتحة علي روح العالم والإعلامي احمد فراج … رجل نال إحترام الأجيال …