جريدة الأخبار – الأربعاء 28 يونيو  2006
بداية السماحة والسلام ... خطبة الجمعة

هل نحــن راضون على من يخطب الجمعــة ؟ اجاباتنا ستنحصر بين نعم أو لا . فان كانت نعم فالحمد لله ، ولندعو ان يستمر ذلك … وإن كانت الأجابة " لا " فهذه دعوة للتغيير والتطوير … بل انى أرى " الاصلاح الدينى " هو من أهم مجالات الاصلاح التى ندعو لها خاصة من دخلاء ودعاة الجهل والتسلط والفرقة والأرهاب . دعوت من قبل الى اهمية البدء فى برنامج قومى للاصلاح الدينى واليوم اؤكد الى ضرورته مـرة اخرى ويشمل هذا : (1) اصلاح المؤسسات الدينية ، (2) اصلاح الخطاب الدينى ، (3) اصلاح القيادات الدينية ، (4) اصلاح الاعلام الدينى . وموضوعى اليوم هو حول الخطاب الدينى لخطبة الجمعة وخطيب الجمعة . وسبب المقالة هذا الاسبوع أننى ذهبت لصلاة الجمعة بأحد المساجد الجديدة خارج القاهرة . ووصلت بعد بداية خطبة الجمعة فجلست مع جموع المصلين خارج المسجد الذى لم يستوعب رغم توسعاته المتواليه والحمد لله للاعداد الكبيرة . ولمدة ساعة تقريبا وحتى الساعة الثانية - اعتلى الخطيب المنبر شعرت فيها بالاسف والأسى - بل بالقلق والغضب - فقد استغرق الإمام ما يقرب من 25 دقيقة فى موضوع الدعوة لدخول الحمام بالقدم اليسرى وسمى الحمام بعدة صفات وفى الـ 25 دقيقة التالية وجه الإمام الدعوة الى السيدات المصليات باخطاره اذا تبول ابنآوهم على سجادة المسجد (اسف جدا واعتذر لهذا العرض ولكنه ما حدث) وكان هذا هو جزء من حديث خطبة الجمعة من الخطيب الموقر … أما العشر دقائق الاخرى فكانت تدعو الى كل ما هو متشدد ومنفر … وبين كل رأى ورأى وبيــن مجموعة الآراء كان يذكــرنا " أسوة برسول الله " … ولم تكن- فى نظرى - هناك علاقة على الاطلاق بين ما يقوله من آراء خاصة وبين صحيح الدين أو سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى نعرفها (والله أعلم) …والرسول صلاة الله عليه وسلم برىء من هذه الآراء واسلوب عرضها . أعتقد ان هناك عشرات الموضوعات التى تهم المسلمين وتهم المجتمع فى دينهم ودنياهم التى يجب ان تعطى لها الاولوية .

وصلاة الجمعة تجمع كما هى فى كل مكان بين غير المتعلمين والمتعلمين وبين البسطاء والقادرين فالكل يسجد لله سبحانه وتعالى سواسيه امام رب الخلق اجمعين ولكن ما لفت نظرى بشدة وبدقة امكانيه تأثير مثل هذا الخطيب على البسطاء علما أو قدرة ، أو التأثير على من لم يحصل على تعليم أو أمى ، أو يعانى من الفوارق التى يراها امام عينيه . وأحسست بخطورة ما قام به الخطيب على المجتمع . وعلى أن يخرج المصلين كارهين وناقمين … بدلا من خاشعين ومحبين ومقبلين على الحياة .أمثلة هذا الخطيب هم الذين يزرعون جذور التطرف والانقسام والكراهية … بل هم الذين يزرعون التطرف والبلبله فى المجتمعات الآمنه وأرض السلام . وتذكرت على عكس ذلك تماما – وعلى النقيض منه – إمام وخطيب المسجد الذى حببنى فى صلاة الجمعة فى طفولتى - رحمه الله - ، واذكر اننى كنت اتطلع الى خطبة الجمعة منذ كان عمرى عشرة أعوام لاستزيد من تعاليم الدين وسماحته وكانت اجمل ثلث ساعة اعيشها انا والمصلين مع الخطيب والعالم والمعلم آنذاك نخرج منها بزيادة للعقل وانشراح للقلب وللنفـس … ونسجد لله خاشعـين ، ونسعـى للدنيـا مكافحين وساعـين ، نتعلـم الدين وننفتـح للحياة …

لقد عشت حياتى – وأنا اعرف الله – لا افكر عند دخول الحمام بأى قدم أدخل ؟ ما يدعو له هذا الخطيب هو تسطيح للدين وضياع لوقت ثمين للمصلين يمكن أن يستفاد به فى غرس القيم الدينية .ادعو وزير الاوقاف وفضيلة شيخ الازهر وفضيلة المفتى ان يتبنوا خطة قومية لمنع اعتلاء المنابر لمن لا يصلح لها فى كل مسجد وزاوية ، وفى كل مدينة وقرية . قدركم أنكم مسئولون عن كل حادث وعن كل كارثة تنتج نتيجة لتلوث العقول وتسرب الجهل وتداخله بدلا من صحيح الدين. واذا كان لديكم ندره فى الائمه فلتسعوا الى كتابة الخطب واعدادها بدلا من السماح لكل من يعتلى المنبر بالمساجد بأن يسمعنا ما يعتقد به رأيا أو رؤية (مع احترامى لكل رأى) . الخطيب اخطر من الطبيب الجراح … فهل يمكن أن يقوم جاهل بجراحة طبيه ؟ …أن عصر المعرفة والمعلومات يعنى بناء العقل والروح والسماحه والسلام والعلم وصحيح الدين …وللحديث بقية .