جريدة الأخبار – الأربعاء 14 ديسمبر
2011 انقسام وطن
تعيش مصر انقسامات حادة ... أجمل ما فجرته ثورة 25 يناير هي هذا الفيض من الوطنية والحب والمواطنة والمشاركة وأسوأ ما نتج بعد يناير هي الانقسامات الخطيرة بين المصريين دينيا وعقائديا ، سياسيا وإيديلوجيا ... مشاهد الانقسام عديدة ومؤسفة بل ومؤلمة منها أولا : حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية وكنيسة اطفيح وأحداث ماسبيرو وقبلها نجع حمادي وتوابعها من أحداث هزت الوطن وركائز الوحدة الوطنية والمحبة التي عاش بها المصريين عبر العصور والتي برزت صورها الرائعة في مسيحي يحمي المسلم في صلاته في ميدان التحرير أثناء الثورة ومسلما يحمي الكنيسة في مدينته وقريته... مشاهد لحدة النقيضين بين قسوة الأجرام وعمق المحبة ... وثانيا : ما يتابعه المصريين من أحاديث لقيادات سلفية ترد المجتمع إلي عصر الجاهلية وتدمر عصور التحضر الإنساني وتلغي مفاهيم المواطنة سواء لمسيحي أو يهودي أو حتى لمسلم أو علماني ، صورتها وسائل الأعلام كنماذج حية لإلغاء الآخر والاعتداء علي المفاهيم الأساسية لحقوق وحرية الإنسان ... وثالثا : انقسام يزداد حدته بين مجموعات التيار الديني والأخوان المسلمين من جهة وبين المتشددين من الأقباط والمسيحيين والكنيسة من جهة أخري . الهوية المصرية هي لمسلم ومسيحي ، وأخواني وليبرالي وعلماني وسلفي وليس لأحد منهم فقط ... وكأننا نتناسى أن مصريتنا هي الأصل والهوية ... وأن التحيز والانقسام الديني والطائفي هو أكبر خطر تواجهه مصر الآن . رابعا : تعيش مصر انقساما سياسيا خطيرا من مجتمع قضي علي دكتاتورية الحزب الواحد بالأمس وحرمان الوطن وتياراته من الممارسة السياسية الحقيقية كان أبرزها الجماعة المحظورة (الأخوان المسلمين) والتقدميين والليبراليين والاشتراكيين (في فترة من الفترات) بل محاربة كل صوت وكل قيادة تسعي للإصلاح والتغيير ... واليوم يتحول المجتمع – وللأسف – إلي أغلبية للتيار الأوحد يقوده الأخوان المسلمين ويسعي لحذف الآخر ... محظور الأمس أصبح غير محظور اليوم ... وأغلبية الأمس أصبح محظورا اليوم ... تحول خطير لا يبشر بديمقراطية بل ينذر بدكتاتورية جديدة . خامسا : انقساما بين مؤسسات التيارات والاتجاهات الوطنية أساسة عدم التكافؤ السياسي والمالي والزمني بين أكثر من 47 من الأحزاب الوليدة والتي لا يزيد عمرها 9 أشهر والأحزاب الدينية التي تمارس السياسة باحتراف ... ما حدث ويحدث هو تنافس غير متكافئ في الزمن والإمكانات المالية والمعلومات والدعم والعدالة والتكافؤ يؤدي إلي انقساما بين المؤسسات السياسية اللازمة للديمقراطية هذا الانقسام يؤدي لتزييف إرادة أمة وتدمير لركيزة الديمقراطية المنشودة . سادسا : انقسام حول الفكر والثقافة والفنون فيه هو أيضا إقصاء الآخر فكرا أو عملا ، حرية أو مذهبا موضوعا وشكلا ... ويضيع الوطن في قضايا حسمتها الأجيال عبر قرون من الزمان ... سابعا : انقسام قادته الحكومة السابقة مع الشعب والثورة أدي إلي انهيار الوطن وضياع ما يزيد عن أربعمائة مليار جنية ... أدعو للحكومة الجديدة المبشرة بأن تطلق نوبة صحيان وثورة بناء في كل إنحاء الوطن . ثامنا : انقساما عشائريا حيث ينادي أهل النوبة وأبناء سيناء وغيرهم بحقوق زايدت عليها حكومات ونظم سابقة ... ويؤدي استمرار الاحتقان بشأنها إلي انقسامات غير معلوم مداها . تاسعا : انقساما حول معاهدة السلام وخطورته أن عدم الإدراك الحقيقي والسياسي والواعي له يمكن أن يعيد مصر لعصر الحروب من جديد ... بل أن هناك من يدعي بسيناريو لاحتلال سيناء . عاشرا : انقساما علي أولويات العمل والأشخاص والأحزاب والتيارات ودور النخبة والقوي الوطنية والدستور والمؤسسات وبيئة وهيكلة الوطن ... انقسامات حادة في المجتمع وصراع بين إعادة الهيكلة أو بناء هيكل جديد لانطلاقة بناء ... فهل تبني الأمم بالانقسام أم بالوحدة ... مطلوب وعي ورشد وقيادة وعمل لتحويل انقسام أمة إلي وحدة وطن ... للانطلاق بل والقفز إلي طريق التقدم والتنمية والرخاء .