جريدة الأخبار – الأربعاء 12 أغسطس  2009
محاور التنمية 2050 (3) الاختلالات والآمال

مصر التى نراها ليست مصر التى نعرفها ... يندهش المشاهد للأفلام القديمة على ما كانت مصر عليه من شوارع ومدن من جهة ، واخلاق وسلوك من جهة أخرى. اصلاح مصر المكان (الجزء الأول) يلزمه تخطيط وتنمية عمرانية ... واصلاح مصر الإنسان (الجزء الثانى) يتطلب اخلاق وتربية وتنمية بشرية . الاختلال الأول (فى نظرى) اننا ركزنا فى الفترة الاخيرة على الخرسانة بما فيها من الاسمنت والحديد واهملنا الانسان بما يمثله من العقل والاخلاق . وهذا - فى جوهره - اختلال فكرى تزايدت صوره اخيرا نتيجة الاحتياجات والاختناقات التى عانى منها ويعانى منها المواطن المصرى سواء احتياجات طبيعية أو كناتج مباشر لسوء التخطيط وسوء استخدام وتوزيع الموارد فيما يستهدف الخرسانات أو يهمل العقول ... والاختلال الثانى هو فى العلاقة بين نمو السكان وحيز المكان حيث لازال المصريون يشغلون – تقريبا – نفس الحيز المكانى الذى كانوا يشغلونه عبر عدة قرون حيث تضاعف عدد سكان مصر اربعة مرات مما كانت عليه فى ستين عاما (تقريبا) من 20 مليون نسمه عام 1950 الى 80 مليون نسمه الآن . يشغل 95% من السكان وادى النيل وصلت الكثافة السكانية فى هذا الوادى الى 1180 نسمة/كم2 فى عام 2006 ووصلت الكثافة السكانية الصافيه بالقاهرة الى 41 الف نسمه للكيلومتر المربع ... نصيب الفرد المصرى حاليا هو ثلث نصيبه من العمران فى عام 1930 وربع نصيبه من الارض الزراعية . والتساؤل المجرد لمتى سيستمر هذا التدهور فى حياة المصريين ... معدل نمو العشوائيات أكبر من معدل نمو الحضر والريف المخطط ... معدل نمو السكان اكبر من معدل استيعاب الزيادة فى السكان ... معدل القبح اكثر من معدل الجمال ... معدل اهدار الشواطئ أكثر من معدل الحفاظ عليها ... معدل الاستفادة بالنيل اقل من معدل التعدى عليه ... معدل الزيادة فى السيارات اكثر من معدل الزيادة فى عدد الشوارع ... معدل الاعتداء على عمارات مصر القديمة أكبر من معدل الحفاظ عليها ... معدل الزيادة فى الحاجة لمدرسة جيدة اكبر من معدل توفر مدارس تعلم ... وغيرها من مشاكل يعانى منها ويحس بها معظم ابناء مصر ... التكدس على الوادى القديم وانهيار المدينة والقرية المصرية اصبح سمه يعانى منها المصريون بصورة يومية ... فهل سيستمر هذا ؟ هل ستستمر وتتواصل العشوائيات ؟ وانهيار صورة وشكل وتكوين وهويه المدينة والقرية المصرية ؟ هل ستستمر فجوات التنمية بين ما هو متاح وبين ما هو مطلوب من سكن ومياة وصرف صحى وتعليم ونقل وانتقال ومواصلات وصحه وغذاء وملبس وعمل وغيرها ... فى نظرى لا يمكن ولا نستطيع ولا يحق علينا احتراما لانفسنا ومسئولية امام الاجيال القادمة ان تترك الامور كما كانت عليه ... لقد اشرت فى اربعة مقالات سابقة بتفاؤلى بالبداية الجادة والعمل الجاد للمجلس الاعلى للتخطيط والتنمية العمرانية والذى صدر بتكوينه قرار السيد رئيس الجمهورية وبتكونيه برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء ويشمل السيد المشير وزير الدفاع والانتاج الحربى والسادة وزراء الثقافة والاستثمار والإسكان والمرافق والتنمية العمرانية والتنمية الاقتصادية والتنمية المحلية والجهات المسئولة عن التخطيط والتنمية العمرانية واستخدام الاراضى ونخبه من الخبرات الوطنية ... لقد سعدت وتفائلت بالبداية الجادة لهذا المجلس والتى بدأت اولا فى تحديد رؤيه لمصر عام 2050 ومخططا لعام 2030 يعيد لمصر (والمصريين) الهويه والنسق والجمال والتخطيط والانسياب والجاذبية والراحه , وثانيا يحاصر العشوائيات ويمنع نموها ويعيد تخطيط ما افسدته عصورا ، وثالثا يوفر مدنا لاستيعاب الزيادة فى السكان وقرى منتجه – وليست طارده – لاجيال جديدة تعيد الفخر والاعزاز لاجيال نعتز بأنها من صعيد مصر ومن فلاحى الدلتا ، ورابعا تعيد الترابط بين النشاط الاقتصادى والتخطيط العمرانى من جهة وتوفر الخدمات ومتطلبات الحياة العصرية من جهة اخرى ... أتفاءل بأن مصر التى سنراها ستكون مصر التى ينشدها المصريون بالرؤيه والتخطيط والتنفيذ والعمل الجاد والحوكمه والتكافؤ والتنافس والعدالة والمشاركة والانتماء والعلم ... مصر 2050 هى مشروع قومى يلزم علينا اهداؤه للاجيال القادمة ... وللحديث بقية Alakhbar@hisham-elsherif.com