جريدة الأخبار – الأربعاء 28 أكتوبر  2001
نظام ادارة وتخفيض ديون مصر الخارجية

كان أحد الأسئلة الدارجة في منتصف الثمانينات هي : ما هو حجم ديوننا .. لم يكن - للأسف – هناك رقم واحد للمديونية الخارجية لمصر بل أن حجم ديون مصر كان يزيد كل يوم نتيجة تراكمات الفوائد المستحقة عليه ويعرف عبء الدين بأصل الدين والفوائد المستحقة عليه والشروط المرتبطة به وفي عالم السياسية والدول تتداخل العلاقات وتتشابك وتصبح القروض والحصول عليها وسدادها أداة سياسية واقتصادية مهمة وكان من الدارج ان يحضر الدائنون لمصر للمطالبة بحقوقهم والضغط بما يزيد على حقوقهم وكون الدائنين تجمع ما يسمى " بنادي باريس " وكان أقصى اهداف مصر في ذلك الوقت هو " اعادة جدولة الديون المصرية " وما اصطلح عليه بإعادة الجدولة الأولى ثم الثانية إلا أن ضربة المعلم الرئيسية لمصر كانت في تخفيض الديون من 44.6 مليار الى 29.4 مليار دولار وبذلك تم تخفيض لاكثر من 14 مليار دولار الى 29.4 مليار دولار والأهم وضع أساس انطلاقة ونجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الأول . كيف تم هذا ؟ وكيف تم مواجهة تحد من اكثر تحديات مصر المعاصرة تعقيداً ؟

لقد بدأ هذا التحدي حينما قررت القيادة السياسية والتزمت بالإصلاح الاقتصادي وتنمية المجتمع المصري ورفع القيود التي كانت تحول دون تقدمه وحينما كلفت حكومة د . عاطف صدقي والمجموعة الاقتصادية آنذاك بحل قضية ديون مصر وكلف د . عاطف عبيد دينامو المجموعة بالتصدي لهذه المهمة ، وكان أول سؤال يسأله لــنا : كم حجم ديون مصر ؟ واذكر اننا كونا فريق عمل فيه د . معتصم قداح ، السيد عزت ابو العز " رحمه الله " من البنك المركزي وفريق عمل من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ومن البنك المركزي المصري ومن جميع الجهات المدينة وقام فريق العمل بحصر ملفات القروض والديون " في كل القطاعات ، ووجد اكثر من خمسة ألاف قرض " تمثل في عددها وتنوعها تشابكات متعددة ، وبناء قاعدة بيانات يدوية موثقة ومحدثة ومؤمنة واختير مقراً لها البنك المركزي المصري بما يعني تجميع جميع ملفات الديون الضائعة او المهملة في مكان واحد وبناء ارشيف خاص بها ... وبناء قاعدة بيانات "آلية" ونظام للمعلومات بما يتضمنه من حاسبات وحزم برامج ... ولم يكن متاحاً في ذلك الوقت حزمة برامج تطبيقية تصلح لمصر .. فقمنا بتصميم وتنفيذ مصري بالاستعانة بخبرات الأمم المتحدة "الأونكتاد" البنك الدولي وهما الجهات المرجعية في ذلك الوقت في نظم المعلومات الآلية للديون ... كما تم توظيف المعلومات لبناء نظام لدعم القرار اذكر أن د . معتصم قداح قام بناء على اقتراحنا بالانضمام الى وفد مصر التاريخي في مفاوضات نادى باريس والتي اثمرت عن استخدام احد سيناريوهات دعم القرار في الوصول الى قرار بتخفيض الديون لاكبر وانجح ما تم من إدارة وتخفيض الديون على مستوى العالم في العصر الحديث وكانت النتيجة تخفيض أكثر من 14 مليار دولار .

نجحت ملحمة الديون نتيجة عوامل مهمة هي :
(1) إدارة سياسية وقيادة اتخذت قراراً بمواجهة القضية وحلها ، ثم بمنع الاستدانة " ما لم تكن هناك قدرة على السداد " ثم رفعت ما يساوي 128 مليار جنيه مصري أعباء على أجيال المستقبل بواقع 2000 جنيه مصري عبء دين من على كاهل كل مواطن مصري . (2) إدارة تنفيذية متميزة في رئيس وزراء د . عاطف صدقي ودينامو الوزراء ومشروع ادارة الديون في ذلك الوقت د . عاطف عبيد والذي آمن بالمعلومات وأهميتها ودور دعم اتخاذ القرار في قضايا مصر المهمة وقمنا بتكوين إدارة تنفيذية وفنية مخلصة وفريق عمل جاد على كل المستويات يصارع الزمن ويؤمن بقهر المستحيل وحل القضية حتى في ظروف غير مواتية والاستفادة من المؤسسات الدولية خاصة الأمم المتحدة " الامكتاد " والبنك الدولي ... وتم توظيف المعلومات لدعم اتخاذ القرار الهام في الوقت المناسب في أهم القضايا الاقتصادية الاستراتيجية لمصر في أواخر القرن .. وللأن تعتبر مصر الدولة الأولى على مستوى العالم تحل قضية الديون الخارجية حسب ما قرره البنك الدولي بل المؤسسات الدولية جمعاً : .. ترى ما أحوجنا ان ترى ما عملنا بالأمس لشحذ المهمة نحو اصلاح ما نراه اليوم . أرى أهمية وضرورة إعداد وتنفيذ برنامج اصلاح اقتصادي ثان . وإعداد وتنفيذ برنامج لإدارة الدين الداخلي بل والتفكير في عمل ما هو اشبه " بنادي باريس " داخلي .. وكلا البرنامجين يحتاجان معلومات ونظم دعم قرار وتعبئة من جديد لعقول مصر المخلصة والخبرات المتراكمة والمؤسسات الفاعلة في ذلك الوقت .. وتلاحماً بين المعلومات وقضايا التنمية ... وللحديث بقية .