جريدة الأخبار – الأربعاء 10 أغسطس
2011 إنقاذ الوطن ... والعدالة (12)
سيسجل التاريخ أن مصر قامت بثورة يوم 25 يناير وثورة أخري تالية لها لا تقل في قوتها عنها يوم 3 أغسطس 2011 ... وإذا كانت الثورة الأولي هي لإسقاط نظام بأكمله فإن الثورة الثانية هي لإرساء وبناء نظام جديد للعدالة ... سيسجل التاريخ أنها "ثورة العدل" الأولي للحضارة المصرية ولأرض الفراعنة حيث أنه لأول مرة يحاكم المجتمع رئيسه ومساعديه وأعوانه وأبنائه ... سيسجل التاريخ أنه لأول مرة يحاكم الشعب حاكم ونظامه في إطار القانون وتحت ميزان العدالة... لأول مرة يحدث ذلك عبر أربعة الآف عام في مصر مهد الحضارات ، ولأول مرة يحدث ذلك في العالم العربي أرض الدكتاتوريات ، ولأول مرة تحدث في العالم النامي والصاعد والجديد دون قرارات دموية مسبقة ... الشعب يريد العدل والبعض يريد القصاص ولكن الغالبية الكبري ترغب في إرساء نظام للعدالة "علي الجميع" يبدأ بمحاسبة المسئول عن قتل شهداء الثورة أي كان منصبه ... ما حدث صباح 3 أغسطس أشد من الزلزال بل تسونامي غير الواقع إلي الأبد مبشرا بتطبيق شعارات كانت نظرية في الماضي مثل "القانون فوق الجميع" ... و"الكل سواء أمام القانون" وغيرها من مبادئ بصورة عملية لأول مرة تطبق في تاريخ مصر والعالم العربي منذ عصر عمر بن الخطاب ... وقد أحدث الزلزال انقساما إنسانيا وموضوعيا في المجتمع المصري وخارجه فمنهم المؤيد ومنهم المعارض لفكرة وأسلوب المحاكمة ... وبغض النظر عن الانقسام الشديد والمفهوم فإن محاكمة رئيس الجمهورية السابق في حد ذاتها تمثل الحدث الأهم والأخطر والأكبر عالميا والذي يمكن أن يسمي محاكمة القرن وهو وطنيا أيضا بداية لعهد جديد لـ "إرساء العدل" كأهم ركيزة للديمقراطية في المجتمع المتحضر ... وغرس العدالة كدرع حامي لتقدم أبناءه ... من الآن فصاعدا سيفكر أي رئيس جمهورية "قادم" ورؤساء الوزراء والوزراء والمسئولين فيما سيحدث لهم لو خرج أحدهم عن الشرعية والقانون ... من الآن سيعود ترسيخ مفهوم الحاكم والمسئول "كخادم للشعب" ... وإذا كان الخروج عن القانون هو فرض علي الحاكم والمسئول ، فإن احترام القانون والشرعية والمجتمع واجب علي كل مواطن ... فلا تخريب ولا فوضي ، ولا تدمير ولا هدم ، ولا سرقة ولا نهب ، ولا بلطجة أو إهدار للمال العام ولا مساس بالأمن القومي للوطن ... سيحاسب بالقانون من قتل شهداء الثورة ، وكذا من تسبب في انهيار جهاز الشرطة الوطني في ساعتين مساء 28 يناير ، وسيحاسب بالقانون من أقتحم مراكز الشرطة ، وأيضا من هدم سجون مصر ومن هرب البعض منهم إلي غزة وجنوب لبنان ، ومن حرق مجمعات المحاكم والمباني الحكومية ، وسيحاسب بالقانون حتما من يقوم بتهريب السلاح ويمارس السطو المسلح والبلطجة ، وسيحاسب القانون أيضا من تسول له نفسه بالعبث في سيناء أو أي شبر علي أرض مصر ، وسيحاسب بالقانون أيضا من يمس الوحدة الوطنية أو مكانا للعبادة ... مصر الآن قوية بشعبها حرا وجيشها قويا وعدالتها ميزانا فوق الجميع ... أدعو حكومة مصر رئيس الوزراء والوزراء لاستثمار الحدث قوميا وتحويله إلي "ثورة عدل" لاستكمال بناء نظام للعدالة المصري تفخر به الأجيال وتشير له أمم العالم ... أدعو حكومة مصر أيضا باستثمار إيجابيات الأحداث لبدء ثورة البناء وثورة الإنتاج وثورة التصدير وثورة الاستثمار وثورة العمل وثورة التعليم وثورة الثقافة وثورة الأخلاق ... نجاح ثورة مصر هي في نهضة وتقدم وسلام ورخاء ومحبة الأمة وسعادة المصريين وإذا كانت محاكمة 3 أغسطس هي بداية لعصر "العدالة للجميع" ... فإنه يتحتم أن تكون بداية "المشاركة المسئولة" لكل مواطن لبناء وطن عصري نفخر به ديمقراطيا واقتصاديا واجتماعيا ... مواطن يرفع فيه المصري رأسه عاليا ينتج وينافس عالميا "ويعيش في مجتمع العدالة" من أجل الخير والتقدم والرخاء والسلام في عالم متغير .